bbbb
 



الملقب ب أنطوني كوين العرب ممثل مصري ولد في 22 ديسمبر 1910 بحي المغربلين بالقاهرة, وتوفى في 6 يونيو 1983 بالقاهرة أثناء عمله في فيلم أيوب مع الممثل العالمي عمر الشريف اثر ازمه قلبيه حاده. تميز بأدوار الشر التي أجادها بشكل بارع. تميز في أدوار رئيس العصابة الخفي، كما لعب أدوار الطبيب النفسي.ومثل أدوارًا أمام عظماء السينما المصرية رجالا ونساء.

انضم محمود المليجي في بداية عقد الثلاثينات من القرن الماضي، وكان مغمورًا في ذلك الوقت إلى فرقة الفنانة فاطمة رشدي، وبدأ حياته مع التمثيل من خلالها، حيث كان يؤدي الادوار الصغيرة، مثل أدوار الخادم على سبيل المثال، وكان يتقاضى منها مرتب قدره 4 جنيهات مصرية في ذلك الوقت.

ولاقتناع الفنانة فاطمة رشدي بموهبته المتميزة رشحته لبطولة فيلم سينمائي اسمه (الزواج) بعد أن انتقل من الادوار الصغيرة في مسرحيات الفرقة إلى أدوار الفتى الأول، إلا أن فشل الفيلم جعله يترك الفرقة وينضم إلى فرقة رمسيس الشهيرة أيضًا، حيث عمل فيها ابتداءًا في وظيفة ملقن براتب قدره 9 جنيهات

مثل 318 فيلم "محمود المليجي". رحل عنا وهو في سن الثالثة والسبعين، وكان ذلك في السادس من شهر يونيو عام 1983. بعد رحـلة عطاء مـع الفن إسـتمرَّت أكـثر من نصف قـرن، قدَّم خلالها أكثر من سبعمائة وخمسين عملاً فنياً، ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة. وكما يموت المحارب في ميدان المعركة، مات محمود المليجي في مكان التصوير وهو يستعد لتصوير آخر لقطات دوره في الفيـلم التليفزيوني "أيـــوب".. فجـأة، وأثناء تناوله القهوة مع صديقه "عمر الشريف"، سقط المليجي وسط دهشة الجميع. أطلق عليه الفنانون العرب لقب "أنتوني كوين الشرق"، وذلك أن شاهدوه يؤدي نفس الدور الذي أداه أنتوني كوين في النسخة الأجنبية من فيلم القادسية بنفس الاتقان بل وأفضل.. وأيضا أداؤه في فيلم الأرض فقد أدّى فيه أعظم أدواره على الإطلاق. فلا يمكن لأحد منا أن ينسى ذلك المشهد الختامي العظيم، ونحن نشاهد المليجي أو "محمد أبوسويلم" وهو مكبـَّل بالحـبال والخـيل تجـرُّه على الأرض محـاولاً هـو التـشـبث بجذورها. ولم تكن روعة المليجي في فيلم الأرض تكمن في الأداء فقـط، بل في أنه كـان يؤدي دوراً معبراً عن حقيقته، خصـوصاً عندما رفض تنفـيذ هذا المـشـهد باسـتخدام بديل"دوبلير"، وأصَّـر على تنفـيذه بنفسه.. لم يكن ـ قط ـ مجرد ممثل، بل كـان فناناً.. عـاش ليقدم لنا دروساً في الحياة من خلال فنه العظيم. كانت معظم أدواره، حتى أدوار الشر، تهدف إلى مزيد من الحب والخير والاخـلاص للناس والـوطن.. كـان مدرسـة فنـية في حـد ذاته.. وكان بحق أستاذاً في فن التمثيل العـفوي الطبـيعي، البعـيد ـ كل البـعد ـ عن أي إنفـعال أو تشـنج أو عصبـية.. كـان يقـنع المتــفرج انـه لا يمـثل، ومـن ثـم إكتـسـب حـب الجماهير وثقتهم.

ولــد "محمود المليـجي" في الثـاني والعـشرين من ديسمبر عـام 1910، في حيّ المغربلين، أحد أقدم أحياء القاهرة الشعبية وأشهرها.. ونـشأ في بيـئة شعبـية حتى بعـد أن إنـتقل مـع عائلـته الـى حـيّ الحلـمية، وبعـد أن حصل على الشـهادة الإبـتدائـية إخــتار المدرسة الخديوية ليكمل فيها تعليمه الثانوي. وكان حبه لفن التمثيل وراء هذا الاختيار حيث أن الخـديوية مدرسـة كـانت تشـجع التمـثيل، فمـدير المدرسة "لبيب الكرواني" كان يشجع الهوايات وفي مقدمتها التمثيل، فالتحق المليجي بفريق التمثيل بالمدرسة، حيث أتيحت له الفرصة للتتلمذ على أيدي كبار الفنانين، أمثال : أحمـد عـلام، جـورج أبيض، فتوح نشاطي، عزيز عيد، والذين استعان بهم مدير المدرسة ليدربوا الفريق.

يتحدث المليـجي عن أيـام التمـثيل بالمـدرسة، فيقول : في السنة الرابعة جاء عزيز عيـد ليدربنا، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره، وكنت أقـف بجانبه كالطفل الذي يحب دائماً أن يقلد أباه.. وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل، ومـع ذلك لم يُعطنِ دوراً أمثله، وكـان يقول لي دائمـاً.. (إنت مش ممثل.. روح دور على شـغلـة ثانية غير التمثيل).. وفي كـل مـرة يقول لي فيـها هذه العبـارة كنـت أُحـس وكأن خنجراً غـرس في صـدري، وكثـيراً ما كنت أتـوارى بجـوار شجـرة عجـوز بفـناء المـدرسة وأترك لعيني عنان الـدموع، إلى أن جـاء لي ذات يـوم صـديق قـال لي : إن عزيز عـيد يحـترمـك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك ؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه.. وعرفت فيما بعد أن هذا الفنـان الكبـير كان يقول لي هـذه الكلـمات من فمه فقط وليس من قلبه، وإنه تعمَّـد أن يقولـها حتى لا يصيبني الغرور، وكان درساً لاينسى من العملاق عزيز عيد.

وفي إحـدى عـروض فرقـة المـدرسـة المـسرحية، كـان من بين الحاضرين الفنانة "فاطمة رشدي"، والتي أرسلت تهنيء المليجي ـ بعد انتهاءالعرض ـ على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العـمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً. عنـدها تـرك المليـجي المـدرسـة لأنـه لــم يستطع التوفيق بينها وبين عمله في المسرح الذي كان يسيطر على كل وجدانه. فقدم مع "فاطمة رشدي" مسرحية (667 زيتون) الكوميــديــة.. كمـا مثل دور "زياد" في مسرحية (مجنون ليلى).. وكان أول ظهور له في السينما في فيلم (الزواج ـ 1932) الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور الفتى الأول أمامها. وبعـــد أن حُلَّت فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة "يوسف وهبي" المسرحية. ثم إختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور " ورد" غريم "قيس" في فيلم سيـنمائي من إخـراجـه في عام 1939.. كما أنه وقف، في عام 1936، أمام "أم كلثوم" في فيلمها الأول (وداد).. إلا أن دوره في فيلم (قيس وليلى) هو بداية أدوار الشر له، والتي استمرت في السينما قـرابة الثـلاثين عاماً.. حـيث قـدم مـع "فـريـد شـوقـي" ثنائياً فنياً ناجحاً، كانت حصيلته أربعمائة فيلماً. وكانت نقطة التحول في حياة "مـحـمـود المـليجي" في عـام 1970، وذلك عندما إختاره المخرج "يوسف شاهين" للقيام بدور "محمد أبوسويلم" في فيلم "الأرض".. فقد عمل فيما بعد في جميع أفلام يوسف شاهين، وهي: الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية.

وقد تحدث يوسف شاهين عن المليجي، فقال: (...كان محمود المليجي أبرع من يـؤدي دوره بتلقائية لـم أجـدها لدى أي ممثل آخر، كمـا أنني شـخصـياً أخـاف من نظـرات عينيه أمام الكاميرا...).

وقد ترك المليجي بصماته في المسرح أيضاً منذ أن إشتغل مع "فاطمة رشدي"، حيث التحق فيما بعد بفرقة "إسماعيل ياسين"، وبعدها عمل مع فرقة "تحيَّـة كـاريـوكـا"، ثـم فـرقـة المـسرح الجـديـد.. وبـذلـك قـدم أكـثر من عـشرين مـسرحية، أهـمـها أدواره في مسرحيات: يوليوس قيصر، حـدث ذات يوم، الـولادة، ودور "أبو الـذهب" في مـسرحية أحمد شوقي "علي بك الكبير".

ثم لا ننسى أن نشير إلى أن محمود المليجي قد دخل مجال الإنتاج الـسـينمائي مساهـمة منه في رفـع مـستوى الانتـاج الفني، ومحـاربة مـوجة الافـلام الـساذجة، فـقدم مجموعة من الافلام، منها على سبيل المثال: الملاك الأبيض، الأم القاتلة، سوق الـسلاح، المقامر.. وبذلك قدم الكثير من الوجوه الجديدة للسينما، فهو أول من قدم فريد شـوقي، تحية كاريوكا، محسن سرحان، حسن يوسف، وغيرهم. لقد مثل محمود المليجي مختلف الأدوار، وتقمص أكثر من شخصية: الـلص، المجرم، القوي، العاشق، رجل المباحـث، البوليس، الباشـا، الكهـل، الفـلاح، الطبيب، المحامي.. كما أدى أيضاً أدواراً كوميدية.

كـان عضواً بـارزاً في الـرابطة القـومية للتمثـيل، ثـم عضواً بالفرقة القومية للتمثيل. لقد كان محمودالمليجي فناناً صادقاً مع نفسه.. تزوج من رفيقة عمره الفنانة "عُلوية جميل" سنة 1939 وبقى مخلصاً لها على مدى أربعة وأربعـين عامـاً حتى وفــاته.. كـان إنساناً مع زملائه الفنانين، وأباً روحياً لهم، ورمزاً للعـطاء والبـذل والصمود أمام كـل تيـارات الفن الرخيص -بالرغم من أنه اضطر للعمل في اعمال تجارية في السبعينات مثل ألو انا القطة- إلا انه يعد رمزاً لفنان إحترم نفسه فاحترمه جمهوره.

==============

- محمود المليجي - المواطن السينمائي الأول

يظل هو العنوان الأكثر تعبيرا عن التمثيل السينمائي.. إنه الوجه الأكثر تكرارا وعمقا في السينما المصرية، يكفي أن نذكر أنه قدم 700 فيلم روائي وهو ما يتجاوز 20% مما أنتجته السينما المصرية طوال تاريخها، وهو رقم غير مسبوق إلا أن قيمة محمود المليجي تجاوزت الكم إلى الكيف، فلا شك أنه ترك بصمات لا تمحى في تاريخنا السينمائي.. صحيح أنه لم يكن طوال مشواره نجما للشباك، ولكنه بهذا التكريم الاستثنائي في هذه الدورة أصبح هو النجم الأول.

التصق به لقب شرير السينما المصرية، ورغم ذلك فأنا أراه دائما يتجاوز التعبير عن وجه واحد فقط من الإبداع، فهو أيضا من الممكن أن يصبح زعيما في عالم الخير.. دولته الإبداعية امتدت تخومها إلى كل الأطياف الدرامية لتجده وقد استقر رمزا لها، فأنت عندما تقول السينما المصرية، يقفز أمامك على الفور اسم محمود المليجي.. إنه المواطن السينمائي الأول.. «آدم» السينما المصرية!! أين يكمن سر وسحر محمود المليجي.. إن كل لمحة من إبداعه من الممكن أن تقدم لنا مفتاحا وتكشف لنا لغزا.. محمود المليجي بحساب السنين كان شاهد إثبات على بداية تاريخ السينما المصرية.. ثم إن محمود المليجي صاحب مساحة عريضة امتدت نحو نصف قرن من الزمان لم يغادر خلالها موقعه في البلاتوه ولم يسمح له الجمهور بأن يترك مكانته على الشاشة.. إنه بالأرقام - كما سبق أن ذكرت - صاحب أعلى رقم عرفته السينما للنجوم حيث شارك في بطولة 700 فيلم أي نحو 20% من كل إنتاج السينما المصرية!! ولكن من قال إن الفن بالحساب والعدد والأرقام فقط.. إن هذا يمثل بُعدا واحدا للصورة ويبقى الأهم والأقوى تأثيرا من الحجم إنه العمق.. يبقى التنوع.. يبقى التأثير.. يبقى.. يبقى.. يبقى.. أشياء كثيرة تبقى نحاول الإمساك بها!! ولد محمود المليجي عام 1910 في حل المغربلين، وهو أحد الأحياء الشعبية بمدينة القاهرة.. كانت أمنية محمود المليجي أن يصبح مطربا في المدرسة الخديوية الثانوية، غنى وطرده أستاذ الموسيقى في تلك السنوات - نهاية العشرينات - الموسيقار محمد عبد الوهاب لأن صوته نشاز.. ملحوظة نفس هذا الموقف تكرر مع الأخوين مصطفى وعلي أمين والشاعر مأمون الشناوي والروائي إحسان عبد القدوس، كانوا جميعا أصحاب الأصوات النشاز وطردهم عبد الوهاب من حصة الموسيقى ليصبحوا بعد ذلك علامات في مجالات إبداعهم المختلفة!! بعد ذلك عرف المليجي طريقه وهو التمثيل، وبدأت حياته الفنية مثل الكثيرين مقلدا أساتذته في الفصل الدراسي، سوف نلاحظ أن التقليد هو بداية أغلب الممثلين، ومر زمن ليصبح المليجي هو الهدف الأول للمقلدين، لما يتمتع به من ملامح صوتية وشكلية وأدائية مميزة، وهكذا مثلا تعرف الناس على أحمد زكي لأول مرة عندما قلد المليجي في مسرحية «هالو شلبي».. أول من تبناه فنيا هي الفنانة الرائدة فاطمة رشدي، حيث التحق بفرقتها المسرحية منذ نهاية العشرينات وشاركها أول أفلامها «الزواج» عام 1933، هذا الفيلم بعد أن شاهدته فاطمة رشدي، لم يعجبها أداؤها وقامت بحرق نسخة الفيلم الوحيدة، ولكنه ظل محتفظا بقيمته التاريخية، مشيرا إلى أنه أول ظهور للمليجي سينمائيا.. التحق بفرقة إسماعيل ياسين المسرحية، وشارك في كتابة عدد من الأفلام مثل «سجين أبو زعبل».. قال عنه يوسف وهبي، محمود المليجي هو الممثل الوحيد الذي أستطيع أن أقول إنه أفضل من يوسف وهبي!! عندما انتعشت السينما المصرية وبدأ الإنتاج السينمائي يزدهر في الأربعينات كان الاتجاه المبدئي هو أن يتم تقسيم الممثلين إلى طيبين وأشرار.. الطيبون ملامحهم هادئة ونظرتهم مستكينة، بينما الأشرار ملامحهم حادة ونظراتهم أكثر حدة، وعلى هذا أصبح المليجي تبعا لهذه القسمة من الفريق الثاني، ويقف في مقدمة الصف.. لم يقاوم المليجي، اعتبر هذه القسمة مثل القضاء والقدر، ورغم ذلك استطاع أن يحتل مقدمة الطابور ويصبح «الألفة» بين الأشرار الذين بمجرد أن ترى ملامحهم تتأكد أنهم سوف يدبرون الجريمة، فكان المليجي هو الشرير الأول والمجرم الدائم على شاشة السينما، رغم أن كل من عرفوه أكدوا أنه كان يخاف من خياله!! هل كان محمود المليجي مجرد ملامح تنضح بالشر.. أم أنه يمتلك شيئا أبعد؟ من المؤكد أن قوة التأثير عند الجمهور لا تخضع فقط لقسمات الوجه ونبرات الصوت، إن هناك الإحساس والإشعاع اللامرئي بين الممثل والجمهور، ومحمود المليجي كان لديه هذا الفيض من الجاذبية التي تتيح له أن يمتلك مشاعر الناس.. وهكذا انطلق المليجي، في أفلام «غزل البنات»، «السجينة رقم 17»، «أمير الانتقام»، و«من القلب للقلب»، و«البيت الكبير»، و«سجين أبو زعبل»، و«الحب الضائع»!! بمقياس شباك التذاكر لم يكن محمود المليجي نجما يقطع له الجمهور تذكرة الدخول إلى دار العرض.. لقد عاصر محمد المليجي فترات ازدهار كل نجوم السينما المصرية ومن كل الأجيال؛ يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، وأنور وجدي، ويحيى شاهين، وكمال الشناوي، وفريد شوقي، وعمر الشريف، ورشدي أباظة، ومحمود ياسين، ونور الشريف، ومحمود عبد العزيز، وأحمد زكي.

ما الذي كان ينقص محمود المليجي لكي يصبح نجما للشباك والاسم الأول على الأفيش وفي التترات.. مهما حاولنا أن نعثر على أسباب منطقية لمقومات نجم الشباك لن نستطيع سوى أن نحيلها إلى إرادة لا شعورية تتجمع في لحظة داخل مجتمع فيتجهون إلى هذا الفنان ليصبح معبرا عنهم سواء كان مطربا أو ممثلا.. نجومية شباك التذاكر لم تكن هي المعبر عن الموهبة أو تفردها، وهكذا يعشق الجمهور محمود المليجي، لكنه لو قرأ اسمه متصدرا التترات لا يقطع من أجله تذكرة الدخول لدار العرض.. كان المليجي هو أستاذ فريد شوقي يكبره بنحو 12 عاما وعندما بدأ فريد في الأربعينات أداء دور الشرير على طريقة أستاذه المليجي.. كان المنتجون يرون في فريد بديلا له، وهكذا كانت الأدوار تعرض أولا على المليجي وعندما يرفضها يذهبون إلى فريد شوقي.. وبلغ تسامح المليجي أنه كان بعد الرفض يسارع بالاتصال بفريد يؤكد له اعتذاره حتى يتمكن فريد من رفع أجره لأنه لا بديل للبديل!! يمر زمن بعدها لا يتجاوز السنوات العشر ويصبح فريد منذ مطلع الخمسينات نجما جماهيريا وسوبر ستار يقطع له الجمهور تذكرة السينما، بينما أستاذه لم يتصدر اسمه الأفيش أبدا.. حتى فيلم «الأرض» الذي ينسبه الجميع إلى محمود المليجي سوف تكتشف أن اسم نجوى إبراهيم كان يسبقه على التترات؟! ولكن ما يتبقى مع مرور الزمن ليس التترات ولا الأفيشات إنه الشريط السينمائي وهكذا ظل المليجي، هو الفنان الذي لا يمكن أن ننسى إطلالته على الشاشة حتى لو جاء اسمه في المركز الثالث أو الثامن.. ودعونا نتذكر بعض لمحات هذا الفنان الاستثنائي!! أحيانا تصبح قوة تأثير الفنان أكبر من الدرجة المطلوبة وربما أدى ذلك إلى قدر من التعاطف مع الشخصية الدرامية التي يؤديها الفنان تخصم من التأثير العام المطلوب من العمل الفني.. لقد حدث ذلك مرة مع محمود المليجي في فيلم «غروب وشروق» وكادت نظرات المليجي من فرط الصدق أن تؤدي إلى انقلاب في المعنى السياسي للفيلم من الرفض للبوليس السياسي إلى التعاطف الإنساني مع رجل البوليس السياسي.. تم تشكيل لجنة متخصصة من مخرج الفيلم «كمال الشيخ» والمونتير «سعيد الشيخ» كاتب سيناريو وحوار الفيلم «رأفت الميهي»، وكان السؤال لماذا انقلب الإحساس من الرفض إلى التعاطف اكتشفوا أنها نظرات المليجي لسعاد حسني في المشهد الأخير، وهكذا قرر الثلاثة اختصار زمن اللقطة!! لم يتوقف عطاء محمود المليجي، عند جيل واحد فقط فلقد ساند الجميع.. طالما استشعر محمود المليجي الموهبة عند أي فنان فهو يدفعه للمقدمة.. من المؤكد أن محمود المليجي كان يشكل ليوسف شاهين حالة إبداعية خاصة.. لقد قال يوسف شاهين بعد رحيل محمود المليجي، كنت أرى فيه صورة أبي.. إن العلاقة الفنية بينهما حملت قدرا من الخصوصية ليست فقط الأبوة بمعناها المباشر بقدر ما هو الارتباط الذي يعني امتزاج الدماء الفنية.. وهكذا كان المليجي يشكل الحالة الإبداعية التي يحلم بها يوسف شاهين في أفلام مثل «ابن النيل»، و«جميلة»، و«حب للأبد»، و«الناصر صلاح الدين»، و«الأرض»، و«الاختيار»، و«الناس والنيل»، و«العصفور»، و«عودة الابن الضال»، و«إسكندرية ليه»، و«حدوته مصرية».. 11 فيلما أي نحو 30% من أفلام يوسف شاهين، كان المليجي مشاركا في البطولة.. إنها كيميائية خاصة جدا بينهما.. في تصريحات كثيرة ليوسف شاهين يؤكد أنه هو الذي صنع هذه الموهبة والحقيقة أن بعض المواهب مثل محمود المليجي، تشبه الأوتار النادرة تحتاج فقط إلى عازف يستطيع أن يستخرج منها أعظم الأنغام!! بأداء لا يزال يملك الكثير من السحر قدم محمود المليجي دوره في فيلم «الأرض».. «محمد أبو سويلم» في مشهد محاكمة الآخرين ومحاكمة النفس ومحاكمة التاريخ.. بكل أستاذية كانت تتغير ملامحه ونبرات صوته وهو يواجه يحيى شاهين وعبد الرحمن الخميسي وعزت العلايلي وحمدي أحمد.. ولأن الحوار الذي كتبه حسن فؤاد يملك موسيقية الشعر فإنه في كل مقطع ينتهي إلى نفس اللازمة «كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة».. كان المليجي في أدائه مثل ألوان «قوس قزح» تتكامل في هرمونية تنتهي إلى نفس اللازمة.. إنها نظرة ساخرة تقول الكثير لكنها في نفس الوقت تملك روح الإشفاق والتعاطف.. إنها تتهم وتلعب دور وكيل النيابة ثم تصبح المحامي وتترك للمتفرج أن يلعب هو دور القاضي الذي يصدر الحكم.. مشهد ثان في فيلم «إسكندرية ليه» ليوسف شاهين أشعر أيضا أنه أخذ نفس الإيقاع الموسيقي الذي يعود دائما إلى نفس اللازمة حيث كتب السيناريو والحوار محسن زايد، اللازمة هذه المرة هي كلمة «وعايزني أكسبها».. إنه هذه المرة المحامي الذي يدين المجتمع.. نعم يعلم أن أحمد زكي لن ينجو من حكم جائر ولهذا تزداد جرعة السخرية المشوبة بالمرارة وهو يكرر و«عايزني أكسبها»!! كان محمود المليجي، يعلم أن قانون السينما لا يتيح له الكثير من الأدوار الجيدة وأن المتاح أمامه من الفن الجميل قليل.. لكنه في نفس الوقت لا يرضى لنفسه أن ينتظر في البيت حتى يأتي له دور مثل «محمد أو سويلم» ولهذا كان يقبل الاشتراك في أفلام متوسطة فنيا وفي أدوار لا تتيح كل إمكانيات التعبير وكان يبرر هذا الموقف قائلا أفضل أن أصبح جنديا صغيرا في الميدان على أن أكون جنرالا متقاعدا خارج الخدمة.. وظل محمود المليجي في الميدان وحتى النفس الأخير لم يترك موقعة.. وهكذا جاءت نهايته أمام الكاميرا جنديا وجنرالا في الميدان في 7 يونيو (حزيران) عام 1983.. كان يشترك مع عمر الشريف في بطولة فيلم «أيوب» وقبل أن يبدأ التصوير كان يتناول فنجان القهوة مع عمر الشريف ثم نفذ السر الإلهي ليؤكد أن الأشجار العظيمة تموت واقفة!! تزوج محمود المليجي من الفنانة العظيمة الراحلة علوية جميل.. كانت قادرة على احتوائه عندما رحلت والدته ساندته ماديا وأدبيا، ولم ينس لها هذا الموقف ووجد نفسه يتجه إليها لا يدري كيف احتوته ووصلت إلى حدود السيطرة.. ورغم ذلك تزوج عليها مرتين الأولى لم تدم طويلا من فنانة مسرحية مغمورة، عندما علمت علوية بهذه الزيجة قالت له طلقها يا محمود، وبالفعل ذهب إليها في المسرح ورمى عليها يمين الطلاق.. سألته الممثلة لماذا؟! أجابها هذه أوامر علوية.. بعد ذلك في نهاية السبعينات تزوج مرة أخرى من سناء يونس، التي يعتقد الكثيرون أنها رحلت وهي عانس.. ظلت على ذمته حتى رحيله.. أتذكر أنني التقيتها بعد رحيل المليجي وأجريت معها حوارا حكت فيه كل تفاصيل حياتها مع محمود المليجي، ولكن قبل النشر اتصلت بي وطلبت مني ألا أكتب شيئا فلم ترض هي أيضا أن تغضب زوجته علوية جميل، ولكن قبل رحيل سناء يونس التقيت بها وذكرتها بالشرط فقالت لي «يا ريتك ماسمعتش كلامي وكنت نشرته»!! إن الشمس إذا غابت لا تأفل ولكن تحتجب عن أعيننا وتظل في دورانها إلى الأبد، وكذلك الفنان إنه لا يذهب عنا بالموت ولكنه يغيب ليتحول من مظهر في الحياة إلى جوهر للحياة.. وهكذا محمود المليجي تجاوز مكانته ليتحول من مظهر للفنان إلى جوهر للفن ليحمل لقب «آدم» السينما المصرية

إرسال تعليق Blogger

 
Top